السلام عليكم ورحمة وبركاتة وبعد...
برحيل الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن الجبريين عن عمر ناهز "78 عاما" , فقدت الأمة علما من أعلامها , وفقيها من ابرز فقهاءها , وداعية وصل علمه إلى الأفاق , وتتلمذ على يديه وتخرج من دروسه علماء وفقهاء وطلاب علم من شتى إنحاء العالم.
عرف العلامة الجبرين بعلمه الغزير وزهده وورعه , وكان لا يخشى في الله لومة لائم , يصدع بالحق , لا يبتغي سوى مرضاة الله , حظي برعاية ولاة الأمر ودعمهم له, وكان له مكانته على مستوى الإفتاء في المجامع الفقهية , ووزعت مؤلفاته وأشرطته في أنحاء العالم , وترجمت إلى لغات شتى, اشتهر بفتاويه التي تدعم أبناء الأمة , والتي توضح الرؤية الشرعية الصحيحة المستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله , وكان أخرها دراسته عن شرعية توسعة المسعى بين الصفا والمروة التي بنيت عليها معظم الآراء الشرعية , حول هذه المسالة المهمة , وكذلك موقفه الرافض لـ"حزب الله" من منطلق عقدي , والذي استطاع أن يضلل بإعلامه المتمذهب الكثيرين , وغيرها من الفتاوى التي تناولت قضايا كبرى, وبعض فتاويه كان مدويا .
والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين من آل رشيد وهم فخذ من عطية بن زيد وبنو زيد قبيلة مشهورة بنجد كان أصل وطنهم مدينة شقراء ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد وتملكوا هناك.
ولد الشيخ عبدا لله بن جبرين سنة 1352هـ في إحدى قرى القويعية ونشأ في بلدة الرين وابتدأ بالتعلم في عام 1359هـ , وأتقن القرآن وسنه إثناء عشر عاماً , وتعلم الكتابة وقواعد الإملاء البدائية ثم ابتدأ في الحفظ وأكمله في عام 1367هـ وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم , وبعد أن أكمل حفظ القرآن ابتدأ في القراءة على شيخه الثاني بعد أبيه وهو الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب وكان جل القراءة عليه في كتب الحديث ,ثم انتقل مع شيخه أبو حبيب إلى الرياض وانتظم طالباً في معهد إمام الدعوة العلمي فدرس فيه القسم الثانوي في أربع سنوات وحصل على الشهادة الثانوية عام 1377هـ وكان ترتيبه الثاني بين الطلاب الناجحين , ومنح الشهادة الجامعية عام 1381هـ وكان ترتيبه الأول , وفي عام 1388هـ انتظم في معهد القضاء العالي ودرس فيه ثلاث سنوات ومنح شهادة الماجستير عام 1390هـ بتقدير جيد جداً وبعد عشر سنين سجل في كلية الشريعة بالرياض للدكتوراه وحصل على الشهادة في عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف , وكان يقرأ على أكابر العلماء ويحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد من زملائه ومن مشائخهم في المذاكرة والمجالس العادية والبحوث العلمية والرحلات والاجتماعات المعتادة التي لا تخلو من فائدة أو بحث في دليل وتصحيح قول ونحوه.
و تزوج الشيخ الجبرين من ابنة عمه الشقيق رحمها الله في آخر عام 1370هـ , وكانت ذات دين وصلاح ونصح وإخلاص بذلت جهدها في الخدمة والقيام بحقوق ربها وبعلها وتوفيت عام 1414هـ وقد رزق منها أثنى عشر مولوداً من الذكور والإناث مات بعضهم في الصغر , وعاش له منها ثلاثة ذكور وست إناث .
وكان الشيخ الجبرين بارا بوالده يؤدي له حقه في نفسه وماله ولا يستبد بكسب ولا يختص بمال ولما انتقل إلى الرياض وانتظم في معهد إمام الدعوة العلمي وكان يدفع له مكافأة شهرية فكان يدفع ما فضل عن حاجته لوالده الذي ينفق على ولده وولد ولده وبعد ثلاث سنين اضطر إلى إحضار زوجته وأولاده واستئجار منزل صغير وتأثيثه والنفقة فكانت المكافأة تكفي لذلك رغم قلتها لكن مع الاقتصار على الحاجات الضرورية وبقي يستأجر منزلاً بعد منزل لمدة ثماني سنين , ثم اشترى منزلا من الطين والخشب القوي أقام فيه سبعة عشر عاماً , لا إسراف فيه ولا تقتير ولم يتوسع في الكماليات والمرفهات لقلة ذات اليد .
وفي عام 1402هـ انتقل إلى منزله الحالي الذي أقامه بمساعدة بنك التنمية العقارية وعاش فيه كما يعيش أمثاله في هذه الأزمنة.
وقد نشأ الشيخ الجبرين على معتقد سليم تلقاه عن الآباء والأجداد والمشايخ العلماء المخلصين فتعلم عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، فقرأ وحفظ ما تيسر من كتب العقائد كالواسطية للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وتقلى شرحها من مشائخه الذين تعلم منهم العلوم الشرعية فكانوا يفسرون غريبها ويوضحون المعاني ويبينون الدلالات من النصوص وقد نهج منهج المشايخ في تدريس كتب العقيدة السلفية
أما الشيوخ والعلماء الذين تتلمذ عليهم فأولهم والده رحمه الله تعالى فقد بدأ بتعليمه القراءة والكتابة في عام 59 وكان رحمه الله من طلبة العلم وأهل النصح والإخلاص والمحبة وقد توفى سنة 1377هـ .
ومن أكبر المشايخ الذين تأثر بهم شيخه الكبير عبدالعزيز بن محمد أبو حبيب الشثري الذي قرأ عليه أكثر الأمهات في الحديث وفي التفسير والتوحيد والعقيدة والفقه والأدب والنحو والفرائض , ومن العلماء الذين قرأ عليهم واستفاد من مجالستهم فضيلة الشيخ صالح بن مطلق فقرأ عليه بعض الكتب في العقيدة والحديث وحضر , وتابع دروسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية وقد تلقى عليه دروساً نظامية عند أفتتاح معهد إمام الدعوة في شهر صفر عام 1374هـ