خُلق الإنسان في كبَد ، وقدَره أن يكدح إلى ربه كدحاً فمُلاقيه . وعلى قَدر العمل
يكون الجزاء ، فليس للإنسان إلّا ما سعى ، ولكُلٍّ حظٌّ مما سعى إليه ، وليتّق اللهَ ربّه .
فإذا ما نظرنا إلى الطير ، نجد أن عليه أن يطير ليَلتقِط طعامه ، فالله رزَقه ، إنّما كان
عليه الجُهد كي يطير ليَلتقِط الحَب ، وإلّا لمات جوعاً ، وكذلك النمل والنحل ، وكافة
المخلوقات والدّواب ، فما بالُك بالإنسان الذي صوّرَه اللهُ في أحسن تقويم ، وهداه النّجدين ؟
إن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضّة ، ولا حتى حُلولاً لِمشاكل الفَرد والعَصر ، فعلى المرء
أن يُعمِل ذِهنه ، ويجتَهِد ، ويتسلّح بالإيمان الذي من من أجود ثماره الصّبر . فالصّبر على
البلاء والفاقة وأنواع الكُربة ، لا يستدعي التّواكُل ، بل يُحفِّز على العمل للخروج من دوائر
البلادَة والشك ومُراوَحة الأمكِنة . فالبطالَة داء ، وقهرها يستدعي أن يؤمن الفرد أنّ من يعمل
ويتوكل على الله فهو حَسبُه ، والله لا يضيع أجرَ عامل من عباده من ذكر أو أنثى . فبالعمل نُحس
بنَبض الحياة يسري في العروق ، وبإنسانيتنا . وما دام فينا الحياء ، كان حبنا للعمل للخروج من
قوقَعَة اليأس . فحتى شبح الفشل يموت إن انبَرى له جِدُّ .
ففي العمل يُجسِّد الإنسان عَبقَريَته ومدى استحقاقه لعُضويّة الحياة ونياشينها ، وبِجَدارَة ، ليتبوّأ مركزه
في هذا العالم الذي لا يعترف بالمتخاذلين والمُتقوقعين في حُجرات اليأس والقنوط .
فبالعمل والجِد نتبَوّأ مراكزنا في ذاكرة الأزمان .