ودعاة الطائفة العصرانية التي تعود قديما إلى رؤوس أهل الاعتزال، وأما حديثا فتعود جذورها إلى مدرسة جمال الدين الإيراني الشيعي المسوني لا الأفغاني، ومحمد عبده الثوري الخارجي لأنه شارك في ثورة أحمد عرابي، وعبد الله نديم حاملي فكر جمال الدين الإيراني ضد حاكم مصر المسلم، ثم صار من دعاة العصرانية بعد فشله في ثورته ودخوله السجن وطرده من مصر. ورموز هذه الطائفة في الساحة الدعوية؛ محمود شلتوت، محمد عمارة، فهمي هويدي، أحمد كمال أبو المجد، محمد سليم العوا....وغيرهم كثير؛ كل هؤلاء خالفوا الكتاب المستبين والسنة المستفيضة؛ فهم مبتدعة ضلال لا يجوز لأبنائنا أن يجالسوهم أو يطرقوا لهم سمعهم، أو يقرؤوا كتبهم، أو أن يأخذوا عنهم العلم، ولا أن يتتلمذوا على أيديهم، نهيك أن يرفعوا من مكانتهم، ويقدموا المتأثرين بفكرهم على أهل الحديث في الندوات والملتقيات والله المستعان!!.
منهج أهل البدع المشار إليه سابقا ولد في صفوف الأمة خصوماتٍ وبدعا، وفتح الباب للكفار للعبث بمكاسب الأمة.
إن أهل الأهواء والمبتدعة استطاعوا عن طريقة القطعة المغصوبة من شبابنا أن يحدثوا بين أصحاب المنهج الواحد خصومات عفنة وقذرة عادت على مسيرتنا في الدعوة إلى الله بالضرر، وسبب هذا الضرر الجدل العقيم الذي فشا بين شبابنا حين غيبوا منهج أهل الحديث في الحوار والنقاش، والخلاف المفتعل الذي رفعت رايته زورا على رؤوس الأشهاد، وشقت به عصا أصحاب المنهج الواحد لا لنصرة الحق وقمع الباطل وإزاحته من الساحة، ولكن إشباعا لرغبات النفس الأمارة بالسوء، وإظهارا لنظرية الاستعلاء والتميز بالمقامات والرتب.
إن الخلاف الذي يذكي ناره بعض أفراد القطعة المغصوبة أثاره سيئة على وحدة الأمة وسلامة الكلمة، وهو عامل ولو كان صغيرا لا يتفطن له في تسلط الأعداء وأهل البدع على رقاب أهل الحق وما العراق عنا ببعيد.
قال ابن تيمية رحمه الله بعد ما بين أن أهل البدع قد يخفى أمرهم على كثير من أهل الجهالات في منهاج السنة (1/6-7): (والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله وآيات كتابه المبين...).
وقال كذلك رحمه الله بعدما تكلم على شرور أهل البدع في منهاج السنة (1/10-11)، وانظر التسعينية (1/231-232): (فملاحدة الإسماعيلية والنُصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم [أي من باب أهل البدع] دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين، وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد المسلمين، وسبوا الحريم، وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين).
وقال ابن تيمية رحمه الله كذلك في مختصر الفتاوى المصرية (1/120): (.. وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله عليهم التُّرك: كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب، وكل ذلك من الاختلاف الذي ذَمّهُ الله، فإنّ الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدّين، والواجب على الخلق: اتبّاع المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: r=darkgreen]وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا]. فعلى أقواله وأحواله وأفعاله توزن جميع الأحوال والأقوال والأفعال).
إن الظلام الدامس الذي يعاني منه فئام من الناس، ويتجرعون مرارة السير في دلجته ناجم عن بعدهم عن منهج أهل الحديث والأثر، ولهذا هم يتخبطون في كومة من الخلاف والشقاق يمسون عليه ويصبحون، فحياتهم في كسوف دائم ما لم يعودوا إلى نبراس الوحي الذي جاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ اللهُ في مجموع الفتاوى (17/310): (فإذا انقطع عن الناسِ نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشر بينهم).
وقال ابن قيّم الجوزية رحمه الله في إعلام الموقعين (2/257): (وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلّة قلّ الشرّ في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشرّ والفساد).
إن الخصومات في الدين -يا أبناءنا- هي من صنيع أهل الأهواء فإياكم أن تقعوا في شباكهم فتهلكوا، أو أن تكونوا الوكلاء لباطلهم فتقوم طائفة منكم بنشرها بحجة بيان الحق والرد على المخالف فيعم الشر بينكم، وتتكدر أجواءكم، وتزول الألفة من صفوفكم.
أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَبْغَضُ الرّجَال إِلَى اللهِ الألدُّ الخَصِمُ).
وقال قتادة رحمه الله بإسناد صحيح في قوله تعالى: [وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ]: (جدلٌ بالباطل).
فالخصومة هي الجدال بالباطل، والاعتماد على روايات الكذابين في نصرة الإسلام والرد على المخالفين
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعُ خِلالٍ مَن كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ).
وأخرج الهروي في ذم الكلام، والآجري في الشريعة، بإسناد صحيح عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ : قلتُ للحَكَمِ الكُوفِيّ: (مَا اضطُر المُرْجِئَة إلى رَأْيِهم؟ قال: الخُصُومات).
إن الذي جعل المرجئة يتعصبون لباطلهم، وينافحون عنه بما هو أبطل منه الخصومات في الدين، فإياكم يا أبناءنا أن تشابهوا القوم في الظاهر فتتشابه قلوبكم بقلوبهم.
و أخرج اللالكائي في الاعتقاد، والآجري في الشريعة وعبد الله بن أحمد في السنة؛ بإسناد صحيح عن معاويةَ بن قُرَّة رحمه الله قالَ: (الخُصُوماتُ في الدِّين تُحْبِطُ الأعمالَ).
و أخرج الآجري في الشريعة بإسناد صحيح. عن عمران القَصِير رحمه الله قال: (إيَّاكُم والمُنَازعَة والخُصومَة، وإيّاكَم وهؤلاء الذين يقولون: أَرَأَيتَ، أَرَأَيتَ).
وما أشدّ ضرر جماعة أرأيت، أرأيت على وحدة صف أهل الحديث.
و أخرج الترمذي في السنن، والآجري في الشريعة (ص62) والفريابي في القدر، والدارمي في المسند وابن عبد البر في جامع؛ عن عمر بنِ عَبدِ العَزِيز رحمه الله قال: (مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضاً للخُضُوماتِ أكثرَ التَّنْقُل).
و أخرجه الهروي في ذم الكلام، واللالكائي في الاعتقاد عن الأَوْزاعي رحمه الله قال: (إذا أَراد اللهُ بقوم شراً فَتَحَ عليهم الجَدَلَ، ومَنَعَهم العَمل).
قال الآجري رحمه الله في الشريعة: (لما سمع هذا أهل العلم؛ من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يُماروا في الدين، ولم يُجادلوا، وحَذّروا المسلمين المِراءَ والجدالَ، وأمروهم بالأخذ بالسُّنن، وبما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا طريق أهْلِ الحقِّ مِمَّن وفّقَهُ الله تعالى).اهـ
وقال ابن بطة رحمه الله في الإبانة الكبرى: (فالله الله، معشر المسلمين، لا يحملنّ أحداً منكم حسن ظنّه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره، أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدَّجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللَّهب).
و أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى بإسناد صحيح قالَ أحمدُ بن أَبِي الحَوارِيّ: قالَ لي عَبد الله بن السَّريِّ (ليسَ السُّنة عِنْدَنا أنْ تَرد على أَهلِ الأَهْواءِ، ولكنّ السُّنة عِنْدَنا أنْ لا تُكلّم أَحَداً منهُم).
إن سلامة أبنائنا في ترك الخصومات في الدين، والابتعاد علن أهل البدع، والاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح من صلاة وصيام وصدقة وقيام ليل وزيارة مريض، وغيرها من الأعمال التي تركها أبناؤنا بسبب تلبيس إبليس عليهم والله المستعان.
وللحديث بقية والحمد لله رب العالمين
وكتبه: فضيلة الشيخ أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الأثري -حفظه الله ونفع به-