ثالثاً ـ الإفراط في المطعومات والمشروبات :
إن مِن فرح كثير من الناس في هذه الأزمان برمضان يجعلهم يستقبلونه بفيضٍ من الطعام والشراب ويبالغون في ذلك ، حتى كأن رمضان موسم تفنّن في المآكل والمشارب وجمع وادخار لها .
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف : 31] ، لهذا يجب على الإخوة الصائمين الاعتدال في ذلك وعدم الإسراف والمبالغة في الطعام والشراب الذي قد يؤدي إلى تضييع واجب أو ضرر بالروح والجسد .
وليتذكّر هؤلاء المسرفون وهم يبذلون جلّ أموالهم في بطونهم، أن في الساحة فقراء ومساكين لا يجدون ما يسد رمقهم ولا يقيم أصلابهم .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء : 1] .
رابعاً ـ التساهل والانصراف عن هذا الشهر العظيم :
يُلحظ على فئامٍ من الناس عدم إجلالهم وإكبارهم لرمضان ، وهذا شيء عجيب وخطير ، لأن المؤمنين الصادقين هم مَن يُجلّ رمضان ويقدره حق قدره ، ولا ينسى فضله وأهميته ، وهؤلاء المساكين كأنهم لم يعرفوا فضله وثوابه ولم يروا الأمّة فِرحَة باستقباله ، فتراهم ليس لهم في رمضان إلا الإمساك فحسب ، وغالب أوقاتهم صدود وبرود ، بل ربما فتح بعضهم لنفسه باب نزهة أو مشروع أو إنهاء عمل وشغل ، حتى ينقضي رمضان فيبوء بالخسارة والندامة . قال صلى الله عليه وسلم : (رغِمَ أنف رجل أدركه رمضان ثم انسلخَ فلم يُغفر له) (الترمذي (3545) ، وابن خزيمة (1888) ، والحاكم (1/549) .).
خامساً ـ النوم الكثير :
قبيحٌ والله فعل كثير من الصائمين في رمضان ، إذ يقضون معظم نهارهم في سُباتٍ عميق إما لسهرٍ إلى بروق الفجر ، أو كراهة تحسّس آلام الجوع والعطش ، أو فراغ قاتل لا يدري المرء ماذا يصنع فيه ، وأسهل وسيلة لإزالته النوم الكثير الذي ربما استمر إلى العصر أو الغروب ، وهذا النوم فيه مفاسد عديدة لعل أهمها وأسوئها تضييع الصلاة وفعلها بعد خروج وقتها ، وجرى عليه بعض أهل العلم .
ثم هؤلاء مع نومهم الطويل في النهار ، تجدهم يحيون ليالي رمضان في اللعب واللهو ، لا سيّما الكرة التي يتداعى لها الناس من كل مكان ويتم الاستعداد لها من وقتٍ مبكّر ، بل ربما تنشط الحركة الرياضية في رمضان أشد من غيره ، وكأن هذا الشهر الفاضل للكرة واللعب دون خوف ولا حياء ولا مبالاة .
وإننا قبولنا هذا لا نحرّم الكرة ولكن نقول : ضاق الوقت بهؤلاء فلم يجدوا رمضان يمارسون فيه لهوهم ولعبهم ، أهذا هو جزاء النعمة ؟! أهذا حق رمضان الأيام المعدودات ؟! ، والذي نفسي بيده إن مَن يقضي نهاره في النوم الطويل وليله في السهر المميت قد كانوا في ضلال مبين ، وقد ضلوا وما كانوا مهتدين .
وآخرون يقضون الليالي الشريفات في المقاهي وعلى الأرصفة والطرقات لا يستحيون ولا يستثنون ليله منه ، وهم ما بين لغوٍ وزور وضحك وسفه ، والله المستعان .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍوَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر : 8] .
سادساً ـ جعل رمضان موسم لعب ولهو :
إن رمضان ـ يا صائمون ـ شهر عبادة وفضيلة وطاعة وإنابة وخشية ، لا يجوز ولا ينبغي أن يُجعل زمناً للملاهي والألعاب وتضييع الأوقات بالضارّ الفاسد الوخيم .
إن هناك صائمين جعلوا من رمضان موسماً للعب واللهو وإضاعة الأوقات ، فتجدهم يضيعون الصلاة في الجماعة ، ويتخلّفون عن التراويح ، ويكثرون من اللعب واللهو ، بحيث لا يبقى لهم من وقتهم ساعة لقراءة القرآن وذكر الله تعالى ، نعوذ بالله من حالهم ! .
بل ربما كان لعبهم وسهرهم حال أداء المسلمين صلاة القيام ، قال تعالى : ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة : 58] .
سابعاً ـ العكوف أمام التلفاز والفضائيات وما يسمى بـ "الدش" :
العكوف أمام التلفاز والفضائيات وما يسمى بالدش ومشاهدة ما يغضب الله تعالى ويخلّ ويذهب العفّة والوقار ، من مسلسلات فاسدة وأفلام خليعة ومشاهد هدامة ، لا طائل من ورائها ، إلا مسخ عقول الأمة وفصلها عن دينها وقيمها ، وسلخها مِن آدابها وأخلاقها وتدمير شبابها ونسائها .
أقول : العكوف عليها أكثر اليوم إن لم يكن كله ونسيان الصيام وركنيّته وفضله وثوابه ، وهذه النقطة وإن كانت داخلة فيما سبق ، إلا أنني أفردتها بالذكر والتنبيه لخطورة آثارها وانتشار خطرها في أماكن بعيدة، بل اقتناها بعض أهل الفقر والمسكنة ، والله المستعان!.
يا صائمون :
ألا يتقّي اللهَ هؤلاء الذين أفسدوا صيامهم بالنظر إلى هذه الفضائيات وما تبثّ من صور عارية ونساء سافرات وموسيقى وغناء .
كيف يصوم هؤلاء وقد سبحوا في بحر من الخنا والفُحش والمناكر ، يحوطون صيامهم بغضب الله تعالى ولعنته وعذابه .
﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾ [الحج : 3] ، وقال تعالى : ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور : 30] .
ثامناً ـ الجد والنشاط أوَّل الشهر ثم التكاسل بعدَه :
لعلكم تشاهدون ـ أيها الأخيار ـ في مطلع رمضان تدفق الناس وسرعتهم إلى المساجد وما يبدونه من نشاط وعبادة وقراءة للقرآن وهم فرحون في ذلك برمضان ودخوله ، ثم لا يلبث هذا الجِدّ، أن يضعف شيئاً فشيئاً بعد مضيّ ثلث الشهر أو نحوه ، ثم يقل ثم يتلاشى بالكلية ، فيصبح آخر رمضان كأي شهر آخر لا تلمس فيه إقبالاً وجداً واجتهاداً ، بل ربما خلاف ذلك والعياذ بالله ، ولا ريب أن هذا خطأ كبير ومسلك مذموم ، لأن الظن بالعقلاء استغلال جميع أيام الشهر في الطاعة والعبادة ، فإذا أتى ثلث الشهر الأخير ضاعفوا الجد والعمل وقضوا أوقاتهم في الصلاة والتلاوة والدعاء تحرياً لليلة القدر المباركة .
لذا يجب على العلماء والدعاة وأئمة المساجد وطلبة العلم تحذير الناس من هذا المسلك وإرشادهم إلى اغتنام رمضان بالطاعات وعدم تضييعه والتكاسل فيه ، فما هي إلا أيام معدودات يربح مَن يربح ، ويخسر مَن يخسر ، والله الموفق .
تاسعاً ـ عدم المسارعة إلى الطاعات :
يدخل رمضان وبعض الناس في غفلة وصدود ونوم وجمود ، لا يتغير مسار حياته ولا يصلح مِن نفسه ولا يسابق في نفع روحه وقلبه ، يمر اليوم واليومان ولا يقرأ شيئاً من القرآن ، وإن قرأ وصلى كان كفعله في غير رمضان ، لا ترى علوّ همَّة في الطاعة ، ولا عزيمة قوية على العبادة ، ولا طموحاً شامخاً إلى الخيرات ، بل تكاسُل وتهاون والله المستعان ! .
ولا ندري متى يستيقظ هؤلاء القوم من غفلتهم وغمرتهم ، ويعرفوا مكانة مواسم الطاعة والرحمة ، فيجدوّا في اغتنامها قبل أن لا يكون عمل ولا جد ، بل حساب وبلاء ، يوم يفرح الأخيار بطاعاتهم ومسابقتهم في الخيرات ، ويحزن الفجار على تقصيرهم وتضييعهم ، ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم : 39] ، يومئذ يودّ بعض هؤلاء المقصرين لو يعود ويعمل صالحاً ويجتهد طائعاً ، لكن هيهات هيهات ، انقضى الزمان وفات الأوان ، فإمّا إلى رحمةٍ ورِضوان ، أو سخط ونيران .
عاشراً ـ عدم تأدية صلاة التراويح :
بعض الناس لا يصلي التراويح مع المسلمين ، بينما الأمّة كلها تلجأ إلى ربّها في رمضان تدعوه وتتضرّع إليه بقلوب خاشعة وأعين دامعة ونفوس تائبة ، إن للتراويح دوياً في رمضان ووقعاً كبيراً على المسلمين ينشط لها الرجال والنساء والصبيان يصلّون ويدعون ويبكون ، بل تذهب بعض الأُسر إلى مكة ، لكن هناك طوائف أُخر يتخلفون عن هذه الصلاة بحجة أنها ليست بواجبة ، فترة طيلة الشهر الكريم لا يعرف التراويح ، وهؤلاء ليتهم على طاعة وفيرة وأجور جزيلة ويتكلمون عن علم وبصيرة ، بل والله من حزب اللاهين المقصرين المحرومين الذين زهدوا في ثواب ربهم وفضله ومغفرته.
قال صلى الله عليه وسلم : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم مِن ذنبه).
معاشر الإخوة الكرام :
إن التراويح من جنس قيام الليل الذي عظم فضله وشأنه في هذه الشريعة الزكيّة ، فهو أفضل صلاة بعد المكتوبة ، ومفتاح البركات ومغلاق السيئات ، وسائق الرزق ومانع الضُّر .
اعلموا يا إخوة أن هناك مَن لا يقوم الليل قبل رمضان ، والتراويح باعث لقيامه وسبب لنشاطه واعتياده .
فيا من نسى قيام الليل قبل رمضان ، داوِمْ على التراويح في ليالي رمضان لكي تنال أجرها وبركتها .
والله الموفق ،،