هذه قصيدة للشاعر العربي الكبير الأفوه الأودي الجاهلي ! ... وقد اكتشف فيها سر خراب قومه
فوضع تلك القصيدة المليئة بالحكمة السياسية ...
فينا مَعاشِـرُ لـم يَبْنُـوا لقومِهـمُ ..................وإنْ بَنى قومُهُمْ ما أَفْسَـدوا عـادُوا
لا يَرْشُدون ولن يَرْعَـوا لِمُرْشِدِهـمْ................فالغَي منهُمْ معـاً والجَهْـلُ ميعـادُ
والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ......................ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ.....................وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ................ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت.................ْفـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
إذا تَولـى سَـراةُ القـومِ أَمْرَهُـمُ..................نَما على ذاك أَمْرُ القـومِ فـازْدادُوا
أمارةُ الغَي أنْ تَلقَى الجميعَ لدى ال............. إبـرامِ للأمـرِ، والأذنـابُ أكتـادُ
كيفَ الرشادُ إذا ما كنتَ فـي نَفَـر................ٍلهُمْ عنِ الرشْـدِ أَغْـلالٌ وأَقيـادُ؟
أَعطَوْا غُواتَهَـمُ جَهْـلاً مَقادَتَهُـمْ....................فكلهُـمْ فـي حبـالِ الغَـي مُنْقـادُ
حانَ الرحيلُ الى قـومٍ وإنْ بَعُـدوا..................فيهِـمْ صَـلاحٌ لِمُرْتـادٍ وإرْشـادُ
فسوفَ أجعَلُ بُعْـدَ الأرضِ دونَكُـمُ................وإنْ دنَـتْ رَحِـمٌ منكُـمْ ومِيـلادُ
إن النجاةَ إذا مـا كنـتَ ذا بَصَـرٍ....................مِـن أجـةِ الغَـي إبعـادٌ فإبعـادُ
و البيت لا يبتنى الا وله عمد ...... ولا عماد اذا لم ترس أوتاد
و نحن إذ نعلن إعجابنا بهذا البيت ، وتتراءى لنا أفكار ، كيف نستلهم من هذا البيت المليء بالحكمة ، حكمة نستفيد منها في أيامنا ؟ ..
لا شك أن شاعرنا بدوي الحياة ، لم يكن لينظم تلك القصيدة في دولة مترامية الأطراف ولم يكن لديه مؤسسات المجتمع المدني .. ولم يكن حتى لديه وازع ديني يحضر في أذهان المفكرين عندما يناقشوا وضعا سياسيا ما كما في أيامنا .. بل كان يتكلم عن بيت شعر كناية لسلطة العشيرة أو القبيلة ، أو الحلف العشائري في أحسن الأحوال ..
ولو أردنا إسقاط الحكمة المستنبطة من البيت على واقعنا الحالي ، لدخلنا بإشكالية عدد الأعمدة .. وهل هناك عمود أهم من الأعمدة الأخرى ؟ .. فلو طلبنا من مفكر سياسي ذو خلفية دينية كم عمود تقترح لمواضعة بيت الشعر السابق مع واقعنا ؟ لأجاب بسرعة البرق أن لا عمود سوى عمود الدين ..
ولو طرحنا السؤال على مثقف سياسي يؤمن بعصرية الحياة السياسية ، لأجاب بتردد : ليكن عدد الأعمدة أربع أو خمس أعمدة .. عمود السلطة التشريعية .. وعمود السلطة القضائية وعمود السلطة التنفيذية .. وعمود السلطة الصحافية ، ويصمت قليلا ليضيف لنضع عمودا للسلطة الدينية .. وقد قالها للمصالحة مع منتقدي مثل هذا الطرح الذي يصفه البعض بالعلمانية ..
وهنا تطرح أسئلة .. و أين دور النقابات .. و أين دور الأحزاب ؟ و أين دور الأقليات القومية أو القوميات ، و أين دور الأقاليم ؟ .. هل نعتبرها أوتاد تمسك انتصاب الأعمدة .. ليكن ذلك ..
لكن كيف البدء بإجراء أي اقتراح ؟ .. هل نفيق باكرا .. وكل منا قد استلم ورقة كتب عليها ما هو مطلوب ؟ ليبدأ بالسير في حياته وفق منهج منظم .. يعبر عن الإرادة الجماعية ؟ الجواب بالتأكيد : لا يمكن حدوث ذلك بصدفة محضة ..
لنقترح مصطلح نطلق عليه الإرادة الراهنة .. يصف حالة التغيرات السياسية ، حيث لا يعقل أن تبدأ دولة ما حياتها السياسية بعد أي تغيير منذ أن بدأت الإنسانية حياتها السياسية .. بل تصطنع وضعا يتلاءم مع قدرتها كقوة مغيرة ومسيطرة في ظرف راهن ، ومع ما وجدته من أجهزة من صنع من سبقها .. حيث تتدرج بتنقية أو تدريب تلك الأجهزة على القبول بالتغيير ..
إن الإرادة الراهنة عادة هي من يقترح عدد الأعمدة وشكلها ، وأي تلك الأعمدة هو الأهم وهو الأساس .. وعلى أمل أن يكون هذا العمود صالحا ، أو منخورا آيلا للسقوط ..