الشرك والمعاصي من أسباب [ الزلازل ] !
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسـول الله ، وعلى آله وصحـابته ومن اهتدى بهداه ، أمـا بعد : فإن الله - سبحـانه وتعـالى -
حكـيم علـيم فيما يقضيه ويقـدره ، كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به ، وهو - سبحانه - يخلق ما يشاء من الآيات ، ويقدرهـا
تخويفًـا لعبـاده وتذكـيرًا لـهم بمـا يجب عليهم مـن حقه ، وتحذيـرًا لهم من الشرك به ومخالفة أمـره وارتكاب نهيه كمـا قـال الله -
سبحانه - : ﴿
وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا ﴾ .
[ الإسراء : 59 ] ، وقــال - عز وجل - : ﴿
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ .
[ فصلت : 53 ] ، وقـال تعالى : ﴿
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ
يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ .
[ الأنعــام : 65 ] . الآية .
وروى البخــاري في " صحيحه " عـن جـابر بن عبد الله - رضي الله عنهــما - عـن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قـال :
لمــا نزل قول الله تعالى : ﴿
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ . قــال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(
أعوذ بوجهك ) ، قـال : ﴿
أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ . قـال : (
أعوذ بوجهك ) .
وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن مجـاهد في تفسيـر هذه الآية : ﴿
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ . قـال :
(
الصيحة والحجارة والريح ) . ﴿
أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ . قاـل : (
الرجفة والخسف ) .
ولا شك أن مـا حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها - سبحـانه - عباده .
وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعًا من الأذى ، كله بأسباب
الشرك والمعـاصي،
كمــا قـال الله - عز وجل - : ﴿
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ . [
الشورى : 30 ]، وقال تعالى :
﴿
مَــا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ .
[ النساء : 79 ] ، وقـال تعـالى عـن الأمـم المــاضــية :
﴿
فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًـا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْــرَقْنَا وَمَــا
كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ .
[ العنكبوت : 40 ] .
فالواجب على جميع المكلفين من المسلمين وغيرهم ، التوبة إلى الله - سبحانه -، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى
عنه من الشرك والمعاصي ، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور ، وحتى يدفع الله عنهم كــل
بلاء ، ويمنحهم كل خير ، كمـا قـال - سبحانه - : ﴿
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَـاتٍ مِنَ السَّمَــاءِ وَالأَرْضِ
وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾. [ الأعراف : 96 ]، وقال تعالى في أهل الكتاب: ﴿
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ .
[ المائدة : 66 ] ، وقـال تعالى : ﴿
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ
بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَــائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْــلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلا الْقَـــوْمُ
الْخَاسِرُونَ ﴾ .
[ الأعراف : 97 - 99 ] .
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما نصه: (وقد يأذن الله - سبحانه - للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل
العظام ، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية ، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله - سبحانه - ، والندم كمــا
قال بعض السلف ، وقد زلزلت الأرض : "
إن ربكم يستعتبكم " .
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد زلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم ، وقال: "
لئن عادت لا أساكنكم فيها " ... ).
انتهى كلامه - رحمه الله - .
والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرة .
فالــواجب عند الزلازل وغيرهـا من الآيـات والكسـوف ، والريـاح الشـديدة ، والفياضانات البدار بالتوبة إلى الله - سبحــانه -،
والضـراعـة إليه وسؤالـه العافيـة ، والإكثار من ذكره واستغفاره كمـا قال - صلى الله عليه وسلم - عند الكسوف : (
فإذا رأيتم
ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره ) .
ويستحب - أيضًا - رحمـة الفقـراء والمسـاكين والصـدقة عليهم لقـول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
ارحمــوا ترحمـــوا )،
(
الراحمـون يرحمهم الرحمـن ، ارحمـوا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (
من لا
يرحم لا يرحم ) .
وروي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة :
أن يتصدقوا .
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء ، مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء ، وإلزامهم بالحق وتحكيم شــرع الله
فيهـم ، والأمـر بالمعـروف والنهـي عـن المنكـر كما قال - عز وجل - : ﴿
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
[ التوبة : 71 ] ، وقـال - عـز وجـل - : ﴿
وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقـَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ .
[ الحج : 40 - 41 ] ، وقـال - سبحــانـه - :
﴿
وَمَـنْ يَتَّـقِ اللهَ يَجْعَـلْ لَـهُ مَخْرَجًــا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَـنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ .
[ الطلاق : 2 - 3 ] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقـال - صلى الله عليه وسلم - : (
من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) .
[ متفق على صحته ] ، وقال - عليه الصلاة
والسلام - (
من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله
عليه في الدنيــا والآخــرة ، ومـن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) .
[ رواه مسلم في " صحيحه " ] . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
والله المسؤول أن يصلح أحــوال المسلمين جميعًا ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يمنحهم الاستقامة عليه ، والتوبة إلى الله
مـن جميع الذنوب ، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين جميعًا ، وأن ينصر بهم الحق ، وأن يخذل بهم الباطل ، وأن يوفقهم لتحـكيم
شريعــة الله فـي عبــاده ، وأن يعيذهم وجميع المسلمـين من مضــلات الفتن ، ونزغات الشيطان ، إنه ولي ذلك والقـادر عليه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لسماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-
وفي الختام أرجو أن يتدبر الجميع في الملف التاليكود PHP:
http://www.youtube.com/v/ZcIm6BTuPOY